📁 آخر الأخبار

رواية الدبابة: الفصل الثالث، غابة الدبابات

 


حكاية الدبابة والمهداوي


كان صوت حميد مضطربًا.

لم يتعرف عليَّ في أول الأمر، وحين تمكن من التعرف ارتبك قليلًا.
تذرع بأنه لم يتوقع اتصالي به، كوني لم ألتقِ به منذ ما يزيد عن عشرين عامًا.
وهي مدة كافية بالنسبة إليه كي لا يعرفني أو ربما ينسى وجودي في حياته بالمرة.
كان الأمر مؤلمًا بالنسبة إليَّ، حتى وأنا أخفي ألمي وانزعاجي من برودة تواصله معي.
افتعلت ضحكًا مبالغًا فيه، وحاولت التقليص الافتراضي لزمن افتراقنا، وذكرته بتفاصيل اليوم الأخير الذي كنا مجتمعين فيه سويًا، كأنه الأمس القريب.
حين كنا نترقب نتائج امتحانات الباكالوريا.
ثم كيف كنت أراقب فرحه واحتفاله بنجاحه ليلتها، وأنا منزوٍ في ركن في حظيرة الخرفان التي كان والدي يملكها، متأبطًا كيسًا بلاستيكيًا به بعض ملابسي.
حيث كنت أنتظر بزوغ الفجر كي أغادر الدوار إلى الأبد.

لم يكن حميد يستمع إلى ما أقوله.
أحسست بشرود يخيم على صوته، أحسست بانزعاجه واستغرابه من تواصلي معه، وأحسست أنه يريد أن يقطع المكالمة بسرعة.
لم يترك لي فرصة إخباره بأنني كنت أتابع مساره منذ أن غادر الدوار نحو مدينة القنيطرة، حيث الجامعة التي درس بها.
كنت أستقي أخبار تفوقه الدراسي، سجالاته مع رفاقه في حلقات النقاش التي كانت تعقد في الجامعة، مناوشاته مع مقدم الدوار وهو يحتج ضد تصرفاته وسلوكه تجاه الفلاحين البسطاء.
كنت أراقب كل هذا وأتابعه، حتى وأنا أمر من ظروف صعبة في حياتي.
كنت أتابع كل هذا، لكنه لم يكن مكترثًا.

كنت أحمل حلمنا الطفولي بين ضلوعي وأسافر به.
حين كنت مهاجرًا غير شرعي، أراوغ الشرطة في المدن الإسبانية ورجال الجمارك على الحدود بين الدول الأوروبية، حتى استقر بي المطاف هنا في إستونيا.
حيث تمكنت من الحصول على بطاقة الإقامة ثم بعدها على جنسية هذا البلد.
حينها بدأت أخطط من أجل تحقيق هذا الحلم.

عانيت كثيرًا قبل الوصول إلى شبكة دولية تنشط في بيع الدبابات.
وكان ذلك عبر ماركو الثعلب، الذي يبدو أنه أخضعني لاختبارات عديدة قبل أن يكشف لي عن إمكانية اجتماعي مع شريكه المكلف بما يسميه "العمليات القذرة".
انزعجت كثيرًا وهو يسمي تحقيق حلمنا الطفولي والجميل "بالعملية القذرة"، لكنني تجاوزت الأمر في سبيل تحقيق هذا الحلم.

حين انتقلنا إلى ضواحي تالين (عاصمة إستونيا)، وسط غابة كبيرة، وبعد رحلة على الأقدام لمدة ساعتين تقريبًا، وصلنا إلى أرض جرداء عبارة عن حفرة كبيرة بمساحة تفوق الكيلومتر المربع.
كانت في الأصل بقايا مقلع كانت تُستخرج منه الرمال الموجهة لأوراش البناء في تالين العاصمة، ومجموع بلديات إستونيا.
المقلع كان في ملكية عائلة أبولو، المسؤول عن العمليات القذرة، والذي أهله ليكون مرآبًا للعديد من الدبابات والسيارات الحاملة لرشاشات وبنادق ثقيلة.

كانت الدبابات منضدة مثل العرائس، يغلب عليها لون الطحالب.
وبعضها ترتسم على حواشيه خطوط عريضة بلون بني داكن، كأنه يرسم أحمر شفاه على ثغر فاتن.
كل دبابة ترفع فوهة مدفعها الرئيسي نحو الأعلى، وتتمنطق برشاشات صغيرة كمضمة ذهبية على خصر عروس.

كانت الفرحة ممزوجة بالصدمة.
كان الحلم أن أجد دبابة تشبه ما صنعناه ونحن صغار؛ علبة كرتونية ومدفع بلاستيكي مسروق من ضيعة عبد الواحد ليس إلا.
نلج قمرتها ونتلصص على الذين يمرون من أمامنا دون أن يبالوا بوجودنا.

ما عاينته في هذا المرآب غيّر من نظرتي إلى حلمنا وإلى علاقتنا.
أدركت حجم عبقريتك وقدرتك على استشراف ما سيقع في المستقبل.
وبالمقابل زاد تصميمي على تحقيق حلمنا: أن تكون لنا دبابة خاصة في المغرب.

طاف بي أبولو بين كل صفوف الدبابات، وأسهب في تقديم الشروح حول اشتغال كل دبابة وقدراتها ومواطن الضعف فيها، سعة قمرتها وأجهزتها اللاسلكية.
مكانها في جبهة القتال، والمدى الذي يمكن أن تصله طلقاتها، ثم أثمانها وطرق الدفع والضمانات التي يقدمها إلى حين وصول الدبابة إلى حدود مدينة مليلية الإسبانية على الأرض المغربية.
حيث سأعهد لك بها لتتمكن من إدخالها إلى المغرب والتجول بها كما يحلو لك.

أوقفني لحظة أمام ملحق حول الغوستاف العظيمة.


تابع القراءة دون توقف 

عبد العزيز العبدي
عبد العزيز العبدي
تعليقات