📁 آخر الأخبار

الدبابة : الفصل الثاني، المكالمة الغامضة أو هاتف الغموض

 


عودة البوعزاتي عبر مكالمة هاتفية 

ظهور البوعزاتي مرة أخرى: قصة الغياب والعودة

ما الذي دفع البوعزاتي إلى الظهور مرة أخرى؟ حين اختفى من الدوار ليلة إعلان نتائج امتحانات الباكالوريا، بعد فشله في اجتيازها، لم يتمكن أحد من معرفة الوجهة التي قصدها. بينما اجتزتُ أنا الامتحان بميزة حسن جدًا، اختفى البوعزاتي تمامًا. والدته، وهي تجيب عن أسئلة الجارات وعن أسئلتي، كانت تكتفي بالقول إنه سافر إلى المدينة المجاورة للاستراحة عند أختها، التي هي خالته، للهروب من نظرات أهل الدوار وشبابه. لكنها لم تكن صادقة بشكل كلي؛ إذ كان الشرود في عينيها والحزن العميق على ملامحها يوحيان بوجود أمر أكبر من مجرد رسوب ابنها.

بعد سنة من غيابه، وخلال إحدى زياراتي للدوار في عطلة دراسية، أخبرني حسن السكاكي أنه رأى البوعزاتي في مدينة تطوان، حيث كان يشتغل "كورتي" في محطة سيارات الأجرة. وحين ناداه باسمه، تظاهر بعدم سماعه، وعندما أمسك حسن بمعطفه، رمقه بنظرة شريرة وأنكر معرفته. أكد حسن أن تلك النظرة لم تكن لتخطئ، فهي بصمة البوعزاتي.

على مدى السنوات التالية، ظهرت أخبار البوعزاتي بشكل متقطع. خلال عرس أخته هنية، التي تزوجت جنديًا من الدوار المجاور، كان الجميع يتوقع حضوره، لكن غيابه كان أكثر حضورًا من تفاصيل الحفل. كان السؤال عنه محور حديث كل الحاضرين، خاصة وأن كثيرين اعتقدوا أن هنية كانت ستكون من نصيبي، بحكم العلاقة التي جمعتنا في الطفولة. لكن الواقع أنني لم ألتفت إليها كفتاة إلا حين سمعت خبر خطوبتها.

عاد اسم البوعزاتي إلى الواجهة حين حلت عناصر من الدرك والشرطة والقائد والمقدم بمنزل والديه. فتشوا المنزل كمن يبحث عن إبرة في كومة من التبن، لكنهم لم يعثروا على شيء. أثناء مغادرتهم، لمح الشيخ إلى علاقتي بالبوعزاتي، لكن الشاب الذي كان يراقب العملية، منع الفرقة من التوجه إلى منزل والدي.

الأخبار حول البوعزاتي تفرعت إلى مسلكين. الأول يفيد بتورطه مع جماعة إرهابية كانت تخطط لتفجيرات، والثاني يتحدث عن دوره كعقل مدبر في عملية سطو كبيرة ببروكسيل استولت فيها عصابة على أكثر من مليار يورو. الميل الأكبر في الدوار كان نحو القصة الثانية، مدعومًا بمظاهر الغنى المفاجئة على عائلته. والده اشترى أراضي وبقرات مستوردة، ووالدته ظهرت متزينة بالذهب، دون أن يجرؤ أحد على سؤالهم عن مصدر هذا الثراء.

رغم تبرئة الأجهزة الأمنية لي من أي علاقة بما ينسب للبوعزاتي، إلا أن الإشاعات داخل الدوار اعتبرتني وشّاءً يعمل لصالح المخابرات. أثرت هذه الإشاعات على علاقتي ببعض زملائي في الجامعة، الذين نبذوني وأصدروا حكمًا ثوريًا ضدي، يصفني بالعميل.

الآن، يظهر البوعزاتي من جديد عبر مكالمة هاتفية. كان صوته طفوليًا ونزقًا كما عهدته، لم يمهد حديثه أو يسأل عن أحوالي. قال لي ضاحكًا: "حميد، لقد اقتنيت الدبابة التي حلمنا بها! سنعمل على إدخالها إلى المغرب، يجب أن تكون مستعدًا لتسلمها قريبًا". ثم قطع الخط، تاركًا قهقهاته ترن في أذني.


تابع القراءة بدون توقف

عبد العزيز العبدي
عبد العزيز العبدي
تعليقات